Friday, March 29, 2013

مع صدور الطبعة الرابعة..بالإمكان الآن تحميل رواية سمراويت !

مع صدور الطبعة الرابعة من سمراويت بالإمكان الآن تحميلها من هنا



جابر لـ الشرق: «سمراويت» هربت من جدة إليها

 

جابر لـ الشرق: «سمراويت» هربت من جدة إليها

نعيم الحكيم- الدمام

تبدأ كل الحكايات عنده من جدة، وإليها تعود. وما بين جدة وجدة، خرجت «سمراويت» روايته الفائزة مؤخراً بجائزة الشارقة للإبداع
 العربي، والصادرة عن المركز الثقافي العربي. هنا حوار مع حجي جابر الصحفي في قناة «الجزيرة»، حول نصه الروائي الذي يتحدث عن شاب إريتري يعيش في جدة قبل أن يقرر زيارة وطنه الأم لأول مرة، مع ما في ذلك من مشاعر ومواقف صعبة:
  • ما معنى كلمة «سمراويت»؟
سمراويت، هو اسم أنثوي شهير في إريتريا وإثيوبيا، وهو هنا اسم شخصية رئيسية من شخصيات الرواية يغرم بها بطل القصة حين يلتقيها في أسمرا، لكن الاسم حتماً لا ينتهي عند هذه الفتاة، بل يتعداها لينوء بحمل كل ما تطرق إليه العمل عن إريتريا، فسمراويت هي الوطن بحضوره وغيابه، بجماله وبتلك اللحظات بالغة القسوة. والذين قرأوا العمل لاحظوا حتماً أن سمراويت الأنثى تلاشت في النهاية دون ضجيج من أجل سمراويت الوطن.
  • تتحدث في الرواية عن جدة التي تقابلها أسمرا، هارباً من الأولى بحثاً عن الثانية. ما مدى حضور المكان في نصك؟
حضور طاغٍ بالتأكيد. لكن بطل الرواية لا يهرب من جدة، بل يهرب بها. يحمل معه عشقه وشوقه، وحتى غضبه من المدينة التي أحب أينما ذهب. يتنقل بها بحثاً عنها، عن صورتها الأولى. وهذا بالمناسبة أمر شبيه بما حدث مع أسمرا، التي كانت معه، داخله، لكنه قرر الهرب إليها. لهذا بالإمكان القول إن العمل مؤسس على المكان بكل ما ينتج عنه من مشاعر وخيال ورهبة وانتماء.
  • بالحديث عن الانتماء، هل تدخل رواية «سمراويت» في دائرة الأعمال التي تتحدث عن أزمة الهوية والانتماء؟
بقدر ما، نعم. هذا أحد خطوط العمل، وهو خط بارز بلا شك، لكنه يتقاطع مع خطوط أخرى أترك للقارئ اكتشافها، أو حتى إنتاجها، فالنص الأدبي أياً يكن نوعه كما تعرف، لا يتوقف عند كاتبه، بل تتم إعادة إنتاجه مع كل قراءة. لكن بالفعل أزمة الانتماء أحد المواضيع التي تؤرق الإريتريين في دول الشتات، ولا أتصور موضوعاً يتناول هموم هذا الشعب يستطيع الإفلات من هذه الأزمة.
  • تبرز جدة في عملك بشكل كبير. إلى أي مدى حضرت حياتك الحقيقية في «سمراويت» وأنت أحد سكان هذه المدينة بالفعل؟
ساعدني هذا كثيراً، ولولا هذه الرابطة الوجدانية بجدة لما استطعت الكتابة عنها بشعف وحب وكراهية حتى. أعشق جدة ولا أتصور نفسي بعيداً عنها لوقت طويل. هنا مقابر عائلتي، وهنا الصحب والرفاق والحكايات التي لا تنتهي. لكن هذا كله لا يعني أن العمل هو سيرة ذاتية محضة. هو خليط من كل شيء رأيته، أو عشته، أو سمعت عنه، إضافة لما تخيلته بالطبع.
  • وماذا عن الإنتاج الثقافي السعودي. لمن تقرأ، وبمن تأثرت؟
أقرأ لأستمتع، وكل عمل يحقق هذه المتعة سيدخل في دائرة التأثير عليّ بشكل أو بآخر. يحدث هذا بوعي، أو بدونه. أحاول دائماً توسيع دائرة هذه المتعة بتنويع قراءاتي، لكن في المقابل هناك أسماء تحفر في وعيي عميقاً، لما تحمله من اختلاف ودهشة، سواء على مستوى اللغة، أو بنية النص، ولعل الصديق محمود تراوري أحد هؤلاء، تعلمت منه وما أزال.
  • ماذا عن إنتاجك المقبل؟
لن يكون بعيداً عن إريتريا. هناك كثير مما يمكن التقاطه في هذا البلد المنسي. في وجوه الإريتريين تربض ملايين الحكايات، سأحاول أن أختار بعضها، لأعرضها بشكل مختلف عما فعلت في سمراويت. أتمنى أن أنجح في صناعة هذا الاختلاف

سمراويت.. كل المسافاتِ نصفُ اتجاه

  سمراويت.. كل المسافاتِ نصفُ اتجاه- أشرف فقيه
أورد بوركهارت [1]في مذكراته، أنه لما استعرت الحرب بين محمد علي [2] وسعود الكبير
[3]بدايات القرن التاسع عشر، سارع شيخ تجّار جدة في حينها، واسمه (العربي الجيلاني) لنقل حريمه ومتاعه إلى قصره الشتوي الذي بمصوع.
مصوع [4]هذه تقع في الضفة المقابلة للبحر الأحمر.. على الساحل الإريتري. وقد كانت هي وسواكن وعدن والمخا والقصيّر وينبع تشكل مع جدة رؤوس شبكة (بحر-أحمرية) ربطت تجارة الهند بمصر وجنوب آسيا بأفريقيا وأوروبا المتوسطية.. فخلقت ما يشبه الدولة الافتراضية التي تقاسمت الأعراق والثقافات ويّا الثروة قبل أن تفتتها ظروف الحداثة لاحقاً.
الخلاصة أن ضفتي البحر الأحمر عالمٌ واحد شطره الماء. وتلك الحقيقة المنسية هي ما يبني عليها حجي جابر [5] في روايته البديعة (سمراويت)، التي يمكن أن نصنفها أيضاً كسيرة ذاتية لمؤلفها ولجيله من الإريتريين.. فتبدو في أجزاء منها مثقلة بالتاريخ بدون أن يذهب ذلك بجمال السرد أو يقطع خيط الأحداث.
سمراويت رواية عن إريتريا كتبها إريتري مغترب.. وهي مع ذلك يجب أن تُقرأ في السعودية. لأنها تستمد من جدة نصف روحها ونصف قصتها. وحجي جابر، مثلما كتب قبله معتز قطينة [6] ومثلما سيكتب آخرون، يستحضر ملامح حياة موازية هي جزء من التركيبة التي تشكل السعودية اليوم وشكّلت جدة منذ الأزل.

ماذا يعني أن تكبر في وطنٍ ليس لك؟



ماذا يعني أن تكبر في وطنٍ ليس لك؟ كيف الأمر حين “تعود” إلى وطنك؟
أسماء قدح
في السعودية لم أعِش سعودياً خالصاً، ولا إريترياً خالصاً. كنت شيئاً بينهما. شيء يملك نصف انتماء، ونصف حنين، ونصف وطنية.. ونصف انتياه.
ستعرف الإجابة حين تقرأ سمراويت. حجي جابر بلُغته البهيّة يحكي قصة عمر الذي عاش عالمين متوازيين في وقت واحد. عمر الذي أحبّ جدة، أحب رطوبتها، شوارعها الخلفية، ميادينها الكثيرة، بحرها، أزقتها المزدوجة الأحلام. عمر الذي رأى صديقه يحب “الاتحاد” كأغلب الجداويين ثم ما لبِث أن كرهه و كرِه ما يشبهه. عمر الذي نما كزرعٍ هادئ في مكان ليس له، في مكان سكنه و عرف كل شوارعه وتقلّبات جوّه، لكن المكان لم يستسغه. ذلك المكان الذي لايتوانى يذكّره كم هو دخيل؛ بلغته، بلونه، بثقافته، بأحلامه، بطريقة تفكيره. ذلك المكان محطة، ميناء؛ إن أتيته من مكان آخر ستغادره ولو بعد حين. أنت لست منه و إن وُلدت فيه، أنت منه -فقط- حين تكون جذورك السابعة منه، سيربتُّ عليك حينها و يضمّك إليه، و يرفعك للأعلى.
عبء ثقيل أن تسافر وأنت محمّل بكلّ هذا القدر من ذكريات الآخرين المعتّقة، من همومهم وأمانيهم، من أحلامهم التي تحققت، وتلك التي طال انتظارها
عمر الذي تذكّره جدّته بأسمرا، مصوّع، مودرنا، بالمنبت الأصلي للعائلة و هي تحكي بتؤدة الكبار. أمّه التي يكتنز الوطن في ذاكرتها بـ”زوديتو”. القنصلية؛ باجتماعاتها، مناسباتها، حفلاتها، بنائها.. الحبل السُرّي الذي يربط المغترب ببلده، شيء ما يستحثّه على عدم نسيانِ منبته. ثم سمراويت.. المرأة / الفتاة التي ألقى بها وطنه في وجهه، يوشوش له أن هنا يجب أن تحب، و هنا تنكسر، لأنني أرضك، ملجؤك، مأواك، لأنك مني. كل شيء في الوطن يختلف طعمه، حتى الوجع..
هنا يا سمراويت، للأشياء طعمها الأول: الحزن، والفرح، الحب، وحتى الغضب. نعم هنا بإمكاني أن أغضب، أن أصرخ دون أن أستأذن أحداً، أن أعيش بدائياً أو متحضراً، غنياً أو فقيراً لا يهم، المهم أن أقوم بكل شيء دون أن أتسول الحق في ذلك، أو أمارسه كمستخدمٍ ثانٍ.
هكذا ببساطة تتلخّص أزمة الهوية، الانتماء، و مَن أنت؟. مضحك و موجع أن تظنّ نفسك وُلدّت و كبُرت في أرض تحتويك، و تكتشف -بطريقة ما- أنها تلفظك.. بعيداً جداً. بعيداً عن تاريخك عليها، عن تاريخ ذويك الذين قرروا استيطانها لغرضٍ أو ظرفٍ ما، ثم تكتشف أنها كانت تنتظر بفارغ الصبر لأن تعود من حيث أتيت، أو ببساطة؛ إلى أي مكانٍ آخر، المهم أن تُبعد عنها، غير مأسوف عليك. مفزع جداً أن تنقش في مخيّلتك اللقاء الأول مع المكان الذي منه أتيت، أن تتوتّر، أن تخاف ألا يكون كما رسمت. و تبدأ في سنٍّ متأخر جداً كيف أن الأمور ليست كما تظن، و أنّك ربما تكون كوطنك “شيئاً طارئاً”.
لا يليق بي أن أقضي العمر كله مسافراً إلى مدينة.. ثم لا أجدها في استقبالي.. أن تنتهي علاقتي بها قبل أن تبدأ، وأنا القادم محمّلاً بالأمنيات في تأسيس ذاكرة جديدة وأشواق مكتملة
وجوه الإريتريين دافئة، فهي خليط من معاناة ممتدة حفرت عميقاً، وإباء خلّفه بحث مضنٍ عن الوطن طيلة عقود
لا أعرف لماذا اختار الرجل الجربوع دون سواه كي يشبهني به، لكنه أدخلني في لعبة بها بعض التسلية وإن كانت مؤلمة.. لذا قررت إكمال اللعبة على غير العادة
.
“أنا يا دكتور مش سعودي.. أنا إريتري”
قطعت جملتي ثرثرته.. صمتَ لحظات.. شعرت أنه يلعن حظه العاثر الذي أوقعني في طريقه
الوطن ليس وجهة نظر. الوطن لا يعيش في المناطق الرمادية، إما أننا في وطن حر وديموقراطي، أو أننا نعيش في ظلام التخلف والديكتاتورية، وأظن أنك تعرف تماماً أين نحن، إلا إذا كان لك رأي آخر؟
كأنك تعيدين تأثيث ذاكرتي من جديد، تسقطين عنها كل ما علق بها عبر السنين دون أن يكون له طعم يوم واحد من أيامك.. بل لحظة واحدة معك
لم تكن جدة مجرد مدينة حتى تستسلم بهدوء لعوامل التعرية التي تطال أعمق ما في المدن، كانت بمثابة الحاضنة لتشكل وعينا ووجداننا وحتى ذاكرتنا..
كنت مواظباً على تقمَص دور الطالب العائد من مدرسته وقت الظهيرة، حتى إذا جاء المساء حملت حقيبتي الثقيلة وتسللت سالكاً شوارع لا يقصدها رفاقي باتجاه مدرستي الليلية
كان عادل “زينا” تماماً، قريباً حد التماهي، كان ضمن قلة تنتسب إلى زمن جميل، زمن ما قبل التسعينات، وقتها لم يكن قد حان اكتشاف فروقاتنا المليون كأجانب عن أهل البلد
يا سلام.. تذكرت هذه الكلمة الفريدة عند الإريتريين، وحدهم ربما مَن أفرغوها من مضمونها الاحتفالي، لتصبح مترعة بالأسى، لتقطر فقداً ولوعة وحرماناً.
كنت مشتاقاً لأجد وجهتي الأخيرة.. وأنا المعتاد على الوجود الطارئ في الأماكن الطارئة
ليس سهلاً أن تبدأ متأخراً جداً في اكتشاف لغتك الأم، في المرور على مفرداتها دون التعثر بالتأتأة
http://www.asmaworld.com/wp/?p=3210
.

"سمراويت" تدور أحداثها بين حواري جدة ومقاهي أسمرا

 
"سمراويت" تدور أحداثها بين حواري جدة ومقاهي أسمرا
جدة - حسن حاميدوي
حصلت رواية "سمراويت" للكاتب والصحافي الإريتري حجي جابر أبوبكر جائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال الرواية الأدبية، متفوقة بذالك على أكثر من 30 عملاً روائياً عربياً تنافست فيما بينها للفوز بالجائزة، حيث أعلنت الأمانة العامة لجائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها الخامسة عشرة لعام 2011- 2012، فوز رواية "سمراويت" الإريترية بالمركز الأول في مجال الرواية الأدبية مع التكفل بطباعتها ونشرها في المكتبات العامة.

بين جدة وأسمرا

وتدور أحداث الرواية التي تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، بين حواري مدينة جدة السعودية ومقاهي مدينة أسمرا عاصمة إريتريا، حيث يروي الكاتب قصة بطل الرواية (عمر) ذلك الشاب الإريتري الذي ولد ونشأ في جدة وهي المدينة التي اعتبرها بطل القصة مملكة قائمة بذاتها، حيث تستعرض الرواية عبره مجتمع مدينة جدة بأحيائها وحواريها وكياناتها الاجتماعية، وتحديداً حي (النزلة اليمانية) وهو المكان الذي اختفت فيه جميع الحواجز وانصهرت فيه كل الهويات في مشهد ينم عن نظرة إنسانية رحبة ومتسامحة، بحسب الكاتب.

وفي ذروة الأحداث والقصص المليئة بحكايات جدة انطلاقاً من حي النزلة اليمانية، يفاجأ (عمر) عندما يكبر بتبدل الوجه القديم لمدينته الجميلة، ومع الزمن يكبر الشعور بالاغتراب داخله، فيقرر في لحظة فاصلة أن يلتفت إلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر، حيث وطنه الأم الذي غادرته عائلته قبل 30 عاماً، فيسافر إلى أسمرا لتبدأ حكاية أخرى من حكايات الاغتراب، ويلتقي هناك صدفة في أحد مقاهي أسمرا بـ(سمراويت) الفتاة الإريترية القادمة من باريس، فيحاولان معاً اكتشاف الوطن الجديد، ومن ثم يكتشفان قلبين عاشقين للفن للأدب، ويكتشفان قصة عشقهما، لكن محاولاتهما البحث تبوء بالفشل.

الشتات الإريتري

وتمكنت الرواية من خلط العديد من الأوراق الشخصيات والأحداث وإخراج عمل متجانس، يتنقل بين جدة وأسمرا بسلاسة دون أن يؤثر على تسلسل الرواية، كما استخدمت فيها لغة سهلة أدخل فيها بعض المفردات العامية سواء من اللهجة الجداوية واللغة الإريترية، أما أكثر الجوانب المثيرة والمحيطة ببطل الرواية فهي عودته لوطنه كمواطن يبحث عن الوطن، وظاهرة الاكتشاف لأول مرة، وهي مشاعر يمكن الإحساس بها لدى الاريتريين الذين لازالوا في الشتات رغم استقلال وطنهم، فالرواية تظهر جدلية العلاقة بين الوطن الحقيقي والوطن الموجود، وهو ما عكسه تشتت (عمر) واغترابه داخل الوطنين وما فيه من تجسيد لواقع وقصة الشتات الاريتري لما يسمى بأزمة الاغتراب داخل الوطن.

الأدب الإفريقي

إلى ذلك، امتنع الكاتب والصحافي حجي جابر عن تصنيف الرواية على أنها سيرة ذاتية وتجربه شخصية، مبيناً أن أي عمل روائي هو خليط بين الواقع والخيال، وأضاف في حديث خاص لـ"العربية.نت": "الرواية ليست سيرة ذاتية على أي حال، لكنها تلامس كثيراً مما عشته أو عايشته في جدة وأسمرا"، وتابع "بطل الرواية يشبهني لكنه شخص آخر، استفدت في تشكيله من حيوات كثيرة شاهدتها أو سمعت عنها".

وفيما يتعلق بمدى اعتبار الرواية نوعاً من الأدب الإفريقي قال حجي "يسعدني تصنيف الرواية ضمن الأدب الإفريقي المكتوب بالعربية، وهذا أمر لا يحمل تناقضاً، فالعربية لغة رسمية في إريتريا، والوجود العربي قديم في اريتريا قدم الإسلام، فمصوع مدينتي الساحلية كانت بوابة هذا الدين الذي حُمل على أشرعة المراكب التي أقلّت الصحابة الهاربين بدينهم إلى الملك العادل، وأن تصدر "سمراويت" بالعربية، فيه تأكيد على الجانب العربي الأصيل من إريتريا".

تجدر الاشارة إلى أن جائزة الشارقة للإبداع العربي التي تصدر عن دائرة الثقافة والإعلام بإمارة الشارقة تهدف إلى مكافأة الأعمال التي تساهم في تشجيع الثقافة والتراث العربي، الى جانب تحفيز المبدعين ودعمهم مادياً ومعنوياً، والمساهمة في رفد حركة النشر العربي بإصدارات لاعمال إبداعية في حقول متعددة، عبر التكفل بطباعة جميع الأعمال الفائزة بمراكز الجائزة، وقيمة مادية تقدر بستة آلاف دولار للمراكز المتقدمة، مع الاحتفاظ الجائزة لنفسها بحقوق الطبعة الأولى من هذه الأعمال.

سمراويت.. حنين الضفتين


سمراويت.. حنين الضفتين - محمد ديريه
أحد الأعمال الافتتاحية الكبرى في شرق أفريقيا.. بوابة لبلد لا يعرف عنه الناس في الوطن العربي شيئا.. قصة حنين بين مدينتين.. ليستا باريس ولندن.. ولا كتبها تشارلز ديكنز.. لكنه أشبه بضياع الملامح بين جدة وأسمرا.. يكتبها صحفي في بحر الثلاثين شوقا.. اختار دون بني جنسه خيار خوض التجربة ورسم اللوحة بلسان عربي فصيح هذه المرة.
خيار أشبه بركوب البحر عودة -هذه المرة- من "النزلة اليمانية" أحد أقدم وأعتق مناطق جدة، متجها صوب روما الصغرى كما كان يسمي الإيطاليون أسمرا سنوات استعمارها.
ضياع ممتد
عمل فني يقع في مائتي صفحة كمصافحة أولى لقلق الثنائيات على امتداد الرواية التي عنونت باسم "سمراويت"، تيمنا باسم البطلة الجميلة التي خلدها حجي جابر على امتداد الحبكة الروائية منذ نزوله أرض المدينة التي يسميها القاص السعودي سليمان الطويهر "أخضرا"، إلى آخر لحظة وقوف على ضياع الهوية بين تهجير قديم وضياع ممتد للهوية. للعلم يقيم في أسمرا 450 ألف مواطن إريتري مقابل 350 ألفا يقيمون في منفى قريب أشبه بالوطن يدعى السودان الشقيق.
سمراويت الفائزة بجائزة الشارقة للرواية مطلع هذا العام 2012، عمل يستحق الإشادة لأكثر من سبب.. 
مستباح كمطعم قديم
فقد نزح مئات الألوف من إريتريا لسنين.. وليس ذلك بمستغرب على بلد أفريقي طارد لشعبه كما هي الحالة في معظم شرق أفريقيا وأفريقيا عموما.. لكن موقع هذا البلد جعله مستباحا كمطمع قديم ابتدأه الإيطاليون أقدم مستعمري عروس البحر الأحمر الصغيرة.. ثم تبعتهم إثيوبيا ذات المطامع التوسعية منذ فجر التاريخ. وحين استلم أسياس أفورقي مقاليد الحكم بعد الاستقلال، وفى بوعد الرؤساء الأفارقة القديم.. ألا يترك معارضا.. وألا يكون له شريك في الحكم ما دام على قيد الحياة.

بذكاء من يمشي على خط النار دون خوذة إلا حجابا من تميمة الكلمات، يمرر حجي جابر كل أسلحة ذاكرة الحرب والتشرد وجزر المنفى وقلق الهويات القاتلة بموسيقى الثورة والجبهة إلى الجيل الجديد من أبناء إريتريا، دون عناء يذكر.
هنا عمل سيتذكره الإريتريون الناطقون بالعربية لأجيال عديدة، فهو الوحيد الذي تكلم باسمهم جميعا ولملم خيوط الحكاية باقتدار
ثنائية المكان أجادها باقتدار هذا الشاب الزاعم أنه لم يقرأ كثيرا في الأدب العالمي, كذلك ثنائية الوطن البعيد القريب هنا في أسمرا، أو هناك حيث النزلة اليمانية التي نشأ وترعرع فيها, وحيث كان مواطنا كاملا إلا من ورقة الجنسية حين ينادي عليها وكيل المدرسة أو شرطي لا يعرف مكان وطنك الأصلي على الخريطة، ذات تفتيش مفاجئ عند مدخل الحارة.

نتربع أمام عمل افتتاحي لبلد لم ينل استقلاله إلا قبل عقدين من الزمن, بلد بقوميات تسع ولهجات كثيرة.. بلد يسكنه قلق الهوية متذبذبا بين العروبة التي أدارت له ظهرها في عز الظهيرة وهي الجار القريب، وبين أفريقيا التي تجره إليها علاقته الأزلية بهضبة الحبشة الكبرى.
أقلية مسيحية تحكم.. وأغلبية مسلمة مشردة في أرض الله.
قلق هوية صارخ.. ألخصه في مشهد سمراء جميلة تضع الصليب على صدرها وتقود إبل أهلها نحو ورود الماء صبحا.
إنها إريتريا حجي جابر الخضراء، حيث التقاء البحر باليابسة، وحيث الدين لا يعارض البيئة.. فالإبل التي اختص برعيها العرب دون خلق الله، لا تفرق بين مسلم وراعية يلمع صليب التثليث على صدرها، لذا استحق الجمل أن يكون شعار إريتريا الجديدة موسوما بأصالة على جواز سفر مواطنيها المسافرين دائما وأبدا.
رسالة خاصة يوجهها حجي لأبناء إريتريا المقيمين بين الرياض وجدة، فهذه الأرض التي احتضنتكم سنين لم ولن تكون وطنا بديلا في يوم من الأيام.. يختصر قلق جيل كامل في مشهد الشاب الذي يخرج مع رفاقه احتفالا بفوز فريقه في طرقات جدة، وحين يوقفهم ضابط الشرطة يختار الإريتري الأكثر انتماء منهم إلى ذلك النادي ويصفعه صفعة قوية، فقط لأنه ليس ابن البلد أو ليس سعوديا كما تقول الأوراق بين يديه.
رسائل أخرى منثورة هنا وهناك.. عتب شفيف على السودانيين لما يلاقيه الإريتريون في مخيمات النزوح، وتجارة قبائل الحدود بالإنسان النازح حد بيع أعضائه.
تخليد للقصيدة على ضفتي البحر الأحمر .. كل فصل من سمراويت يبدأ بمقطع موسيقي باذخ للمرحوم محمد الثبيتي رحمه الله، والفصل الذي يليه يستهل بموسيقى باذخة للعذب الزلال محمد مدني الشاعر الإريتري ذي الجرس اللغوي الخاص به..

هنا عمل سيتذكره الإريتريون الناطقون بالعربية لأجيال عديدة.. منها أنه الوحيد الذي تكلم باسمهم جميعا ولملم خيوط الحكاية باقتدار.. هذا عمل يصبو لجمع شتات الكثيرين.
شعب في كل بقاع الدنيا
يؤخذ على العمل أنه كتب بلغة تقريرية صحفية أفقدته جزءا من الشاعرية التي كان يجب أن يتكئ عليها الكاتب حنينا وصوت ناي.
ووجود بعض الحشو الزائد -المبرر- في ظروف كثيرة, وأتفهم شخصيا هذا الشيء ما دام العمل بمجمله رسائل من تحت الماء لشعب في كل بقاع الدنيا.
لكن يبقى للعمل خلود الأعمال الأولى لأوطان لم نزرها، ولم يكن ليكتب لنا شرف معرفتها إلا على يد حجي ومدني ورفاقهما.. رفاق النضال الطويل.
أتساءل بقلق كل من استمتع بهذا العمل الرشيق الدرامي الجميل: هل سيكمل حجي رحلة الرواية كوجه قادم من شرق أفريقيا بعد نجاح عمله الأول.
ليس الأفضل لكنه الأول
وبينما احتضن هذا العمل، تتناهى إلى مسمعي العبارة الخالدة للكاتب نوبواكي نوتوهارا صاحب الكتاب القيم "العرب بعيون يابانية" عن غسان كنفاني حين قال "لم يكن غسان هو الأفضل.. لكنه كان أول من خلد القضية الفلسطينية على ورق الذاكرة".
ولابد أن حجي جابر قد فعلها هذه المرة باقتدار أهلّه للفوز بجائزة الشارقة لهذا العام.

أسمرا و «سمراويت».. الوجهان لوطن بكل هذا الجمال!




أسمرا و «سمراويت».. الوجهان لوطن بكل هذا الجمال! 
 
هاشم كرار
   
أحببت أسمرا، لكن غريمي أحبها، وأحب «سمراويت» وبث للاثنتين كل لواعج روحه العاشقة، في رواية أنيقة، وسُكرة، حملت عنوان مابين الهلالين. (سمراويت). آه حين يتخاطف اللون الواحد، لونان. آه، حين يكون الأب إريتريا، فيه كل تفاصيل إريتريا الثورة والصوت الخفيت، وتكون الأم من بلد الأرز وفيروز وصخرة الروشة، وجبران، وسعيد عقل، وميريام الأورنؤوطية! كنتُ، من عاشقي أسمرا، غير ان غريمي في العشق، صيرني عاشقا، وأكثر. كنت لا أعرف ( سمراويت) خاطفة اللونين واللهاتين، غير أن غريمي في عشق تلك المدينة الهامسة، صيرني عارفا. ياااااه، ما أكرم المعرفة، تلك التي تتنزل عليك حرفا حرفا.. جملة جملة، تملأك كلك- أولك وآخرك- وتزيد فيك الفضول! صاحبي.. صاحب (سمراويت) التقيته- أول ماالتقيته- في أسمرا. كانت حبات المطر، تتساقط على وردة.. تحكي حكاية الدعاش لعطر وردة، وكان هو بعينيه اللامعتين، يمارس نعمة الدهشة- في يومه الثاني او الثامن- وهو يكتشف ان له وطتا بكل هذا الجمال! يااااه. ماكنت أعرف ان لي وطنا بكل هذا.... تلك جملة شاعر. قلت ذلك بيني وبين نفسي. ما استوقفني- أيضا- أنني لمحت بأذني، في صاحبي هذا- الذي يكلمني الآن- لهاتان تتنازعان أي كلمة فيه، منه، يتحرك بها لسانه: لهاتان، في كل واحدة منهما تاريخ.. وفي كل واحدة منهما حاضر.. وفي كل وآحدة منهما أثر.. وفي كل وآحدة منهما مآثر! لخبطني.. وكانت جملته قد لخبطتني. حسبتك خليجيا!

لو كنت قد دققت، في لهجتي، لكنت قد قلت سعوديا! لا.لم يمهلني لأدقق، وأحسب من جديد. كانت ابتسامته لا تزال تجمل المسافة من فمه إلى أذني، حين لامست مسامعي اللهاتان: السعودية وطني الافتراضي، لكن إريتريا وطني الذي أعود إليه الآن، لأسترجع ملامح طفولتي الاولى- لأول مرة- بعد كل هذا العمر.. بعد كل هذا الغياب!

في الاكتشاف دهشة.. لكن لئن تكتشف وطنك- لأول مرة- هو أن تكتشف العالم كله. هو أن تكتشف الوجود.هو ان تكتشف الدهشة ذاتها. هو ان تكتشف ذاتك من أول جديد. هو أن تكتشف الجمال، ونكتشف الحب، وتكتشف الحبيبة. لو لم يكن صاحبي- حجي جابر- قد اكتشف بعد كل هذا العمر، ان له وطنا بكل هذا الجمال، ما كان قد اكتشف (سمراويت).. وماكان قد اكتشف كل هذه اللغة الصافية.. كل هذه المفردات الأنيقة.. كل هذه الجمل الطاعمة.. كل هذا الايحاء العجيب.. كل هذي الإشارات.. كل هذا التماهي.. كل هذا الحضور.. كل هذا الغياب في (سمراويت).. وما.. وما كانت-في المقابل- سمراويت قد اكتشفت صاحبي.. واكتشفت ذاتها.. واكتشفت- تاني من تاني- وطنها.. واكتشفت لبنان! تتداخل الجينات، في الجينات. يتداخل اللون في اللون. تتداخل اللهاة في اللهاة. اللغة في اللغة.. لكن للجينةالأولى، واللون الاولاني، وكذا اللهاة، واللغة الأم، سحر أخاذ، وسطوة، مثل سطوة القدر! كان- في البدء- القدر، يريد أن يلعب لعبته، وكانت أسمرا، بكل سحرها، وجاذبيتها، ونداءاتها الدافئة، العجيبة، وكان المطر، وكانت أنفاس الوردة، وكان الحنين الغامض، وكان مقهى( مودرنا).. وكانت (سمراويت) والكابتشينو بالرغوة، وكان هو.. وكانت رواية ( رحلة الشتاء) هى المدخل الجميل، للإثنبن معا، وكانت.. كانت الرحلة بلهوات اربعة.. بل خمسة: هو بلهاته الإريترية والسعودية.. وهى بلهاتها الإريترية واللبنانية والفرنسية! لا. لم تكن صدفة. الصدفة وحدها لا تنجب روائيا.. والصدفة وحدها لايمكن ان تحيي التاريخ دفعة واحدة، وتحيي الحاضر، وتحيي المستقبل.. وتقلب كل أولئك رأسا على عقب.لا، ولا يمكن للصدفة -وحدها – أن تكتب قصة حب بين اثنين، أحدهما يكتشف وطنه لأول مرة، والآخر يكتشف في هذا الآخر، طعم الوطن، وطعم الحياة، وطعم الوجود!

لا. كان كل شيء، مرتبا منذ الأزل. وكان أنيقا جدا.. وكان بهيا.. وكان صاخبا، وكان هادئا، وكان في جمال أسمرا.

(سمراويت) ليست مجرد رواية. إنها اكتشاف. اكتشاف باهر لوطن.. واكتشاف باهر للحب. واكتتشاف باهر لمعتى الحياة.. وهى- وهذا مهم أيضا- اكتشاف لروائي إريتري، وطنه الافتراضي السعودية.. روائي اسمه حجي جابر!


«سمراويت» رواية أريتريا المجهولة

 
 
سمراويت..رواية أريتريا المجهولة
محمد الأحمري
الجمعة ٢٢ مارس ٢٠١٣
تقص رواية «سمراويت» للكاتب حجي جابر(المركز الثقافي العربي) خبر رحلة «عمر» الشاب الإريتري الذي ولد في جدة من أبوين إريتريين ثم عاد إلى بلده الأصلي إريتريا الذي حدثه والداه عنها كثيراً. فالبلد حاضر في البيت دائماً في كل شيء ولكنه غائب دائماً، فهو لم يره أبداً. وفي وسط الثلاثينات من عمره يغامر ويزور لأول مرة بلده الذي يسمع عنه. روايته تراوح فصلاً بعد فصل بين مدينة جدة مغتربه أو «الوطن» الذي ولد فيه وعاش ولعب وتعلم ومزح وحزن وصادق حيث تكوّنت حياته الاجتماعية والثقافية، ولكنه أيضاً غريب فيه وعنه قانونياً، فيقرر أن يزور بلاده الغريبة ويلتقي بطلنا «عمر» في أسمرا بـ «سمراويت» الغريبة مثله عنه وعن بلدها، ثم يسير بك النص رخاء في غير عجلة ولا بطء كسفينة المهاجرين الأول قديماً إلى بلاد الحبشة «إريتريا» كما يلمّح - بل يوضح لك- الراوي

«سمراويت» تقطر شعراً وشفافية، وحواديث وصوراً جمّلها بافتتاحيات من الشعر لكل فصل، انتخبه بذوق رفيع، فأنت تقرأ في مفتتح كل فقرة قولاً لأحد شاعرين بادل بين أبياتهما طوال الرواية، فلعله أشفق عليك ألا تكون قد انسجمت معه كثيرا، أو خاف أن قوله يحتاج لشفاعة شاعر، أو لصورة مجلوبة من قصيدة، أو ليقول لك خذ على الطريق صورة فنية خالدة ربما كان مأسوراً بها ذات يوم.
حجي «أو عمر» ترك أريتريا جنيناً في بطن أمه وهاجر به والداه إلى جدة، فتكوّن عربياً ذلق اللسان سلس القلم ينظر بعين تراثه ويرسم عالمه الذي صنعه. ولكم اشتقنا لأريتريا عربية فأعادها جارة قريبة غضة خفيفة مازحة وعاشقة وشاكية باكية من الغبن والضياع على دروب الغزاة وقسوة المحررين من أبنائها الذين أرادوا تحريرها فقيدوها وأخافوها، وزادوها فوق الضعف فقراً وعزلة.
في الرواية نقاش جميل عن حال إريتريا وتحولاتها، فهي حاضرة ليس في لقاءات الإريتريين في جدة بل في مجتمعها الثقافي وفي منتدياتها جولات نقاش عن إريتريا في منتديات المثقفين في جدة في النادي الأدبي، وفي ثلوثية سعود مختار، وثلوثية المكية مع عنقاوي، وأحدية محمد سعيد طيب، وإثنينية عبدالمقصود خوجة، كيف وإريتريا أقرب المنازل للحجاز بل كانت أقرب من كثير من أرجاء الجزيرة العربية، وقربها كان من أسباب الهجرة الأولى للصحابة إليها. ثم ينقل الراوي عن الأديب الحجازي محمد صادق دياب أنه عشق أسمرا قديماً وأكثر من زيارتها، ويوم كان في الفندق «فوجئ بالشرطة تطرق الباب، وظن أن في الأمر خطأ، لكنه سرعان ما عرف سبب وجود الشرطة، فقد أخبروه أن جواربه المعلقة على جانب الشرفة المطلة على الشارع تشوه المنظر العام. وضجت القاعة بالضحك والتصفيق» (ص 50).

لقاء وسجال

الرواية لقاء وسجال بين عمر وسمراويت، بين المُغتَرب العربي (جدة) والمُغتَرب الأوروبي (فرنسا)، شعب يهيم في المغتربات، بين البلد والمهجر، وبين جدة وأسمرا ونادراً ما ذهبت الرواية الى مدن أخرى. ينقل عن جدة المدينة التي ولد فيها وعاش، فكانت هي الوطن الوحيد الذي رآه، وقد أصبح من محبيها «لأنها غير» لولا أنها عدّته من الغرباء. ويروي لنا عن صديقه الأريتري أيضاً الذي كان يتعصب للنادي الأهلي «قبل أن يتردى أسوة بأشياء كثيرة» وقبل أن تميزه السلطة بغربته وقبل أن يوقفهم الشرطي. ثم يختصه بصفعة لأنه ليس أصلاً من هنا، عندها أحس الصديق بغربته فيها: «أصبح يشجع كل المنتخبات، كل المنتخبات بلا استثناء حين تلعب ضد المنتخب السعودي» (ص 142).

لدى كل الغرباء ثقافة خاصة يحملونها عبر البلدان والثقافات، وتجد صورة منها عند حجي وهو ينقل عن جدته تحذيرها من تقبل عادات مجتمع جدة حتى لا يعتادوها «فسنبدو كالغرباء حين نعود» (ص 148 ). ولهذا فعلى الشاطئ القريب المجاور هوية وثقافة أخريان تحذر الجدة من نسيانهما ومن فقدان هويتهما.

للسياسة نصيب في الرواية لم يكثر، بل كاد أن يقل، لمن يقرأ أول رواية عن إريتريا «العربية». الرواية فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي، وهي تستحق الجائزة وأكثر. في الرواية بجوار الفن تاريخ لمهجر الصحابة في مصوع ولآثار مسجد تتجه قبلته للقدس. وفي الرواية هوية مستبطنة وقليلة الظهور، ثم يبرزها مكثفة وملخصة في صفحة واحدة يقص فيها عليك القصة في بلده التي لم يساعدها العرب، بل تخلّوا عنها دائماً.

والكاتب يذكرك «بعمق العروبة ودورها» ثم يقول أو ينقل عن المناضل الأريتري الشهير عثمان صالح سبي: «عروبتنا في إريتريا هي مصيبتنا، ولكننا قابلون بها، ولا نرضى عنها بديلاً. نعتقد أن مسألة العروبة في إريتريا هي الأساس، لأن لولاها لما كانت هناك حاجة للثورة أصلاً. إن إرتيريا المستقلة في ذلك الموقع الإستراتيجي المهم هي مع العرب اليوم وغداً وإلى الأبد، سيكون لها دورها في الشد على عنق العدو الصهيوني والمساهمة في خنقه. إن الثقافة العربية والإسلامية في إريتريا والقرن الأفريقي هي ثقافة مؤسسة منذ أكثر من ألف عام في هذه المنطقة وليست جديدة بل عميقة الجذور. إن الدول الكبرى لا تريدنا لأن الصراع يدور حول مسألة العروبة وبخاصة عروبة البحر الأحمر. في إحدى زياراتنا لروما قالوا: لماذا تصرون على التعامل مع العرب؟ لماذا لا تتفاهمون مع إسرائيل؟ قلنا لهم نفضل التعامل مع العرب لأننا عرب فلا حاجز بيننا وبين الأثيوبيين سوى الثقافة... إننا ننتمي إلى حضارة مختلفة وقد حارب الأحباش التعريب ألف سنة» (ص 172).

ضاقت إريتريا بالتضييق وكبت الأنفاس، حتى صديقه الذي توسط به في أسمرا ليجلب له سراً شريحة هاتف، يأتي بها ويصف الموقف: «دسّ سعيد شريحة هاتف في يدي. هذه باسم خالتي خصصتها لأصدقائي الزائرين. لا تخبر أحداً بذلك، كي لا تكون آخر من يستخدمها.» (ص 61 ). وفي تعقيب للفتاة «سمراويت» الإريترية المغتربة التي يقابلها في أسمرا لتكون صاحبة بطل الرواية تتحدث عن حال وطنها أريتريا وحجتها في المعارضة للنظام تقول: «الوطن ليس وجهة نظر، الوطن لا يعيش في المناطق الرمادية، إما أننا في وطن حر وديموقراطي أو أننا نعيش في ظلام التخلف والديكتاتورية، وأظن أنك تعرف تماماً أين نحن، إلا إذا كان لك رأي آخر؟» (ص 61 ). وخذ هذا المقطع عن حب الراوي للعربية وهو يصف قول أحد أدبائها الإريتريين: «تخرج الكلمات من فمه وقد تعطرت بعربية فصيحة، وأدب باذخ»

الراوي المغترب عن بلده ينتهي حبه الطارئ للمغتربة العابرة أيضا ببلدها بقوله : «يا للأسى حتى الوطن بات مثلنا تماماً شيئاً طارئاً» (ص189 ). هذه الرواية لا تغرق في حزن دائم ولا في مرح دائم، وتلبس كل الأحوال، أخيراً يبدو أن الرحلة والمحبة والغربة والثورة تنتهي نهايات متشابهة!

مزج الراوي بين أسمرا وسمراويت بين الذات والبلد، وما حققه من تجانس وذكاء في رحلته، من ذهاب وإياب بين فصل وآخر تقنية لطيفة في ذكرياته عن بلده وغربته وزيارته، أو بلد حياته وميلاده وبلد قيل له إنه منه. ولعل قوتها في قرب الحقيقة من الخيال، أما إن لم يقصد هذا فما الناقد إلا مؤول على أطراف نص، يقدم فهمه أكثر مما يقدم نص غيره، وليبقى العمل مفتوحاً للتفسير.