Friday, March 29, 2013

أسمرا و «سمراويت».. الوجهان لوطن بكل هذا الجمال!




أسمرا و «سمراويت».. الوجهان لوطن بكل هذا الجمال! 
 
هاشم كرار
   
أحببت أسمرا، لكن غريمي أحبها، وأحب «سمراويت» وبث للاثنتين كل لواعج روحه العاشقة، في رواية أنيقة، وسُكرة، حملت عنوان مابين الهلالين. (سمراويت). آه حين يتخاطف اللون الواحد، لونان. آه، حين يكون الأب إريتريا، فيه كل تفاصيل إريتريا الثورة والصوت الخفيت، وتكون الأم من بلد الأرز وفيروز وصخرة الروشة، وجبران، وسعيد عقل، وميريام الأورنؤوطية! كنتُ، من عاشقي أسمرا، غير ان غريمي في العشق، صيرني عاشقا، وأكثر. كنت لا أعرف ( سمراويت) خاطفة اللونين واللهاتين، غير أن غريمي في عشق تلك المدينة الهامسة، صيرني عارفا. ياااااه، ما أكرم المعرفة، تلك التي تتنزل عليك حرفا حرفا.. جملة جملة، تملأك كلك- أولك وآخرك- وتزيد فيك الفضول! صاحبي.. صاحب (سمراويت) التقيته- أول ماالتقيته- في أسمرا. كانت حبات المطر، تتساقط على وردة.. تحكي حكاية الدعاش لعطر وردة، وكان هو بعينيه اللامعتين، يمارس نعمة الدهشة- في يومه الثاني او الثامن- وهو يكتشف ان له وطتا بكل هذا الجمال! يااااه. ماكنت أعرف ان لي وطنا بكل هذا.... تلك جملة شاعر. قلت ذلك بيني وبين نفسي. ما استوقفني- أيضا- أنني لمحت بأذني، في صاحبي هذا- الذي يكلمني الآن- لهاتان تتنازعان أي كلمة فيه، منه، يتحرك بها لسانه: لهاتان، في كل واحدة منهما تاريخ.. وفي كل واحدة منهما حاضر.. وفي كل وآحدة منهما أثر.. وفي كل وآحدة منهما مآثر! لخبطني.. وكانت جملته قد لخبطتني. حسبتك خليجيا!

لو كنت قد دققت، في لهجتي، لكنت قد قلت سعوديا! لا.لم يمهلني لأدقق، وأحسب من جديد. كانت ابتسامته لا تزال تجمل المسافة من فمه إلى أذني، حين لامست مسامعي اللهاتان: السعودية وطني الافتراضي، لكن إريتريا وطني الذي أعود إليه الآن، لأسترجع ملامح طفولتي الاولى- لأول مرة- بعد كل هذا العمر.. بعد كل هذا الغياب!

في الاكتشاف دهشة.. لكن لئن تكتشف وطنك- لأول مرة- هو أن تكتشف العالم كله. هو أن تكتشف الوجود.هو ان تكتشف الدهشة ذاتها. هو ان تكتشف ذاتك من أول جديد. هو أن تكتشف الجمال، ونكتشف الحب، وتكتشف الحبيبة. لو لم يكن صاحبي- حجي جابر- قد اكتشف بعد كل هذا العمر، ان له وطنا بكل هذا الجمال، ما كان قد اكتشف (سمراويت).. وماكان قد اكتشف كل هذه اللغة الصافية.. كل هذه المفردات الأنيقة.. كل هذه الجمل الطاعمة.. كل هذا الايحاء العجيب.. كل هذي الإشارات.. كل هذا التماهي.. كل هذا الحضور.. كل هذا الغياب في (سمراويت).. وما.. وما كانت-في المقابل- سمراويت قد اكتشفت صاحبي.. واكتشفت ذاتها.. واكتشفت- تاني من تاني- وطنها.. واكتشفت لبنان! تتداخل الجينات، في الجينات. يتداخل اللون في اللون. تتداخل اللهاة في اللهاة. اللغة في اللغة.. لكن للجينةالأولى، واللون الاولاني، وكذا اللهاة، واللغة الأم، سحر أخاذ، وسطوة، مثل سطوة القدر! كان- في البدء- القدر، يريد أن يلعب لعبته، وكانت أسمرا، بكل سحرها، وجاذبيتها، ونداءاتها الدافئة، العجيبة، وكان المطر، وكانت أنفاس الوردة، وكان الحنين الغامض، وكان مقهى( مودرنا).. وكانت (سمراويت) والكابتشينو بالرغوة، وكان هو.. وكانت رواية ( رحلة الشتاء) هى المدخل الجميل، للإثنبن معا، وكانت.. كانت الرحلة بلهوات اربعة.. بل خمسة: هو بلهاته الإريترية والسعودية.. وهى بلهاتها الإريترية واللبنانية والفرنسية! لا. لم تكن صدفة. الصدفة وحدها لا تنجب روائيا.. والصدفة وحدها لايمكن ان تحيي التاريخ دفعة واحدة، وتحيي الحاضر، وتحيي المستقبل.. وتقلب كل أولئك رأسا على عقب.لا، ولا يمكن للصدفة -وحدها – أن تكتب قصة حب بين اثنين، أحدهما يكتشف وطنه لأول مرة، والآخر يكتشف في هذا الآخر، طعم الوطن، وطعم الحياة، وطعم الوجود!

لا. كان كل شيء، مرتبا منذ الأزل. وكان أنيقا جدا.. وكان بهيا.. وكان صاخبا، وكان هادئا، وكان في جمال أسمرا.

(سمراويت) ليست مجرد رواية. إنها اكتشاف. اكتشاف باهر لوطن.. واكتشاف باهر للحب. واكتتشاف باهر لمعتى الحياة.. وهى- وهذا مهم أيضا- اكتشاف لروائي إريتري، وطنه الافتراضي السعودية.. روائي اسمه حجي جابر!


No comments:

Post a Comment