Friday, March 29, 2013

ماذا يعني أن تكبر في وطنٍ ليس لك؟



ماذا يعني أن تكبر في وطنٍ ليس لك؟ كيف الأمر حين “تعود” إلى وطنك؟
أسماء قدح
في السعودية لم أعِش سعودياً خالصاً، ولا إريترياً خالصاً. كنت شيئاً بينهما. شيء يملك نصف انتماء، ونصف حنين، ونصف وطنية.. ونصف انتياه.
ستعرف الإجابة حين تقرأ سمراويت. حجي جابر بلُغته البهيّة يحكي قصة عمر الذي عاش عالمين متوازيين في وقت واحد. عمر الذي أحبّ جدة، أحب رطوبتها، شوارعها الخلفية، ميادينها الكثيرة، بحرها، أزقتها المزدوجة الأحلام. عمر الذي رأى صديقه يحب “الاتحاد” كأغلب الجداويين ثم ما لبِث أن كرهه و كرِه ما يشبهه. عمر الذي نما كزرعٍ هادئ في مكان ليس له، في مكان سكنه و عرف كل شوارعه وتقلّبات جوّه، لكن المكان لم يستسغه. ذلك المكان الذي لايتوانى يذكّره كم هو دخيل؛ بلغته، بلونه، بثقافته، بأحلامه، بطريقة تفكيره. ذلك المكان محطة، ميناء؛ إن أتيته من مكان آخر ستغادره ولو بعد حين. أنت لست منه و إن وُلدت فيه، أنت منه -فقط- حين تكون جذورك السابعة منه، سيربتُّ عليك حينها و يضمّك إليه، و يرفعك للأعلى.
عبء ثقيل أن تسافر وأنت محمّل بكلّ هذا القدر من ذكريات الآخرين المعتّقة، من همومهم وأمانيهم، من أحلامهم التي تحققت، وتلك التي طال انتظارها
عمر الذي تذكّره جدّته بأسمرا، مصوّع، مودرنا، بالمنبت الأصلي للعائلة و هي تحكي بتؤدة الكبار. أمّه التي يكتنز الوطن في ذاكرتها بـ”زوديتو”. القنصلية؛ باجتماعاتها، مناسباتها، حفلاتها، بنائها.. الحبل السُرّي الذي يربط المغترب ببلده، شيء ما يستحثّه على عدم نسيانِ منبته. ثم سمراويت.. المرأة / الفتاة التي ألقى بها وطنه في وجهه، يوشوش له أن هنا يجب أن تحب، و هنا تنكسر، لأنني أرضك، ملجؤك، مأواك، لأنك مني. كل شيء في الوطن يختلف طعمه، حتى الوجع..
هنا يا سمراويت، للأشياء طعمها الأول: الحزن، والفرح، الحب، وحتى الغضب. نعم هنا بإمكاني أن أغضب، أن أصرخ دون أن أستأذن أحداً، أن أعيش بدائياً أو متحضراً، غنياً أو فقيراً لا يهم، المهم أن أقوم بكل شيء دون أن أتسول الحق في ذلك، أو أمارسه كمستخدمٍ ثانٍ.
هكذا ببساطة تتلخّص أزمة الهوية، الانتماء، و مَن أنت؟. مضحك و موجع أن تظنّ نفسك وُلدّت و كبُرت في أرض تحتويك، و تكتشف -بطريقة ما- أنها تلفظك.. بعيداً جداً. بعيداً عن تاريخك عليها، عن تاريخ ذويك الذين قرروا استيطانها لغرضٍ أو ظرفٍ ما، ثم تكتشف أنها كانت تنتظر بفارغ الصبر لأن تعود من حيث أتيت، أو ببساطة؛ إلى أي مكانٍ آخر، المهم أن تُبعد عنها، غير مأسوف عليك. مفزع جداً أن تنقش في مخيّلتك اللقاء الأول مع المكان الذي منه أتيت، أن تتوتّر، أن تخاف ألا يكون كما رسمت. و تبدأ في سنٍّ متأخر جداً كيف أن الأمور ليست كما تظن، و أنّك ربما تكون كوطنك “شيئاً طارئاً”.
لا يليق بي أن أقضي العمر كله مسافراً إلى مدينة.. ثم لا أجدها في استقبالي.. أن تنتهي علاقتي بها قبل أن تبدأ، وأنا القادم محمّلاً بالأمنيات في تأسيس ذاكرة جديدة وأشواق مكتملة
وجوه الإريتريين دافئة، فهي خليط من معاناة ممتدة حفرت عميقاً، وإباء خلّفه بحث مضنٍ عن الوطن طيلة عقود
لا أعرف لماذا اختار الرجل الجربوع دون سواه كي يشبهني به، لكنه أدخلني في لعبة بها بعض التسلية وإن كانت مؤلمة.. لذا قررت إكمال اللعبة على غير العادة
.
“أنا يا دكتور مش سعودي.. أنا إريتري”
قطعت جملتي ثرثرته.. صمتَ لحظات.. شعرت أنه يلعن حظه العاثر الذي أوقعني في طريقه
الوطن ليس وجهة نظر. الوطن لا يعيش في المناطق الرمادية، إما أننا في وطن حر وديموقراطي، أو أننا نعيش في ظلام التخلف والديكتاتورية، وأظن أنك تعرف تماماً أين نحن، إلا إذا كان لك رأي آخر؟
كأنك تعيدين تأثيث ذاكرتي من جديد، تسقطين عنها كل ما علق بها عبر السنين دون أن يكون له طعم يوم واحد من أيامك.. بل لحظة واحدة معك
لم تكن جدة مجرد مدينة حتى تستسلم بهدوء لعوامل التعرية التي تطال أعمق ما في المدن، كانت بمثابة الحاضنة لتشكل وعينا ووجداننا وحتى ذاكرتنا..
كنت مواظباً على تقمَص دور الطالب العائد من مدرسته وقت الظهيرة، حتى إذا جاء المساء حملت حقيبتي الثقيلة وتسللت سالكاً شوارع لا يقصدها رفاقي باتجاه مدرستي الليلية
كان عادل “زينا” تماماً، قريباً حد التماهي، كان ضمن قلة تنتسب إلى زمن جميل، زمن ما قبل التسعينات، وقتها لم يكن قد حان اكتشاف فروقاتنا المليون كأجانب عن أهل البلد
يا سلام.. تذكرت هذه الكلمة الفريدة عند الإريتريين، وحدهم ربما مَن أفرغوها من مضمونها الاحتفالي، لتصبح مترعة بالأسى، لتقطر فقداً ولوعة وحرماناً.
كنت مشتاقاً لأجد وجهتي الأخيرة.. وأنا المعتاد على الوجود الطارئ في الأماكن الطارئة
ليس سهلاً أن تبدأ متأخراً جداً في اكتشاف لغتك الأم، في المرور على مفرداتها دون التعثر بالتأتأة
http://www.asmaworld.com/wp/?p=3210
.

1 comment:

  1. Titanium Wok - The Most Stunning Wooden Poker Playing Poker
    Titanium Wok is a highly durable poker nano titanium by babyliss pro playing card design that 4x8 sheet metal prices near me is suitable for a novice or avid poker titanium undertaker player. It titanium earrings offers titanium phone case a high quality,

    ReplyDelete