Tuesday, November 5, 2013

حجي جابر: الكتابة عمل شاق، تزداد مشقته كلما وعينا به أكثر


 
 
 
حجي جابر: الكتابة عمل شاق، تزداد مشقته كلما وعينا به أكثر
 
آراء - إيمان الودعاني

 حجي جابر، صحفي وروائي إرتري من مواليد مدينة مصوع الساحلية 1976، حاصل على بكالوريوس علوم اتصال، وعمل في الصحافة السعودية لسنوات، بالإضافة إلى عمله كمراسلٍ للتلفزيون الألماني "دوبتشه فيلله" في السعودية. حصلت روايته "سمراويت" على جائزة الشارقة للإبداع العربي 2012، وصدر له مؤخرا في 2013 رواية "مرسى فاطمة" عن المركز الثقافي العربي. أعمال الكاتب تتحدث عن نفسها، ولكن الكاتب وحده يستطيع أن يخبرنا أن رحلته المذهلة في الكتابة. عن بهاء التجربة وآلامها وانعطافاتها المفاجئة، عن طقوسه وعاداته وما يضطر إلى فعله لكي ينتج نصّه على النحو المطلوب، بالإضافة إلى تلك البصيرة العميقة التي تتفجر في لحظة المفاضلة بين كلمة وأخرى، لأن الكتابة هي في النهاية عملية بناء تحدث على مهل. وهكذا كان هذا اللقاء:

ماهي العوامل التي تحدد رضاك عن النص من عدمه؟ وإلى أين ينتهي النص في الحالتين؟

 لا أستطيع تحديد ماهية الشيء الذي يقف خلف احساسي الداخلي بالعمل. ثمة معيار صارم يطلّ على النص أثناء التفكير فيه والبدء في كتابته، ثم يقترب أكثر أثناء مراجعته، لأجده يستولي على كل شيء قبيل الدفع بالعمل إلى الناشر. هذا الأمر يحدث مع الخطوط العريضة ثم ينفذ ليصل إلى كل جملة ويستقر أخيراً عند الكلمات، لأغرق في حيرة الاختيار بين كلمتين تؤديان ذات المعنى غير أني لا أعرف أيهما أقرب إليّ، أو بالأحرى أيهما خرجت مني بالفعل. ورغم أني محاط بعدد من الأصدقاء الرائعين الذين يعيدون قراءة نصي ويمطرونني بالملاحظات كمحاولة أخيرة لتحقيق حالة الرضا، فإن ذلك يبقى معقودا بأن الرضا الكامل عن أي نص، عصيّ على البلوغ. ثمة رغبة لا تنتهي بالصعود بالنص إلى الأعلى في كل مرة.بين "سمراويت" و "مرسى فاطمة" ما الذي تغير في اسلوب حجي جابر؟ و ما هي العوامل التي أدت إلى ذلك؟ برأيي أن ثمة مسافة معتبرة من النضج بين العملين. سمراويت عمل أول، كتبته بروحي لكن بأيد مرتجفة بعض الشيء. أحبه كثيرون، لكني في المقابل جنيت من ورائه دروساً هائلة في الكتابة، استثمرتها في مرسى فاطمة. وما حدث مع سمراويت سيحدث مع مرسى فاطمة، سأصغي لكل ردود الأفعال، لكل الانطباعات، لكل الانتقادات، وأتعلم. لذا حين أتحدث عن النضج، فأنا أقصد به تلك المرحلة الطبيعية من التطور التي ترافق الانتقال في الزمن بكل ما يصاحبه من خبرات.

هل هناك اختلاف بالجهد المبذول في كتابة الروايتين؟ كيف؟

النضج الذي تحدّثتُ عنه لا يجعل الأمور أسهل. برأيي أنه يزيدها صعوبة. الكتابة عمل شاق، وتزداد مشقته كلما وعينا به أكثر. هناك بحث دائم عن الخلق والفرادة، مع ما يصاحب ذلك من قلق وعناء. كما أن الجهد الأكبر عادة ما يسبق الكتابة ذاتها، حين يغرق الكاتب في البحث عن فكرة، ثم في محاولة إيجاد الثوب المناسب الذي ستخرج به. يبدو الأمر كمن يتسلق جبلا وعراً، ليرى أكبر مساحة ممكنة تحته. فهو لا يكتفي من الصعود مع كل العنت الذي يلاقيه، لأنه مسكون أكثر بالمساحات التي سيمتلكها.

هل لديك طقوس معينة للكتابة؟ ماهي؟

 لا أعرف. مع تقدمي في هذا العالم أنا أكتشف ذاتي، ما ترغبه وما تأباه. عرفت مثلا أنني لا أستطيع الكتابة على وقع الموسيقى مهما بدت خافتة. أشعر بأن الموسيقى أكثر أنانية، فهي لا تلتزم الحواف ولا الهوامش. حين تحضر تستأثر بالمكان ولا تسمح لغيرها بالمشاركة. لكن هذا لا يعني أني أرتاح للكتابة في الأماكن منزوعة الأصوات، فقد كتبت سمراويت وأجزاء كبيرة من مرسى فاطمة في أجواء صاخبة بعض الشيء، حيث تتداخل أصوات كثيرين لتصنع موسيقاها الخاصة!

ما الذي يدفعك للكتابة؟

أنا كاتب مغرض، وغرضي هو إرتريا. أعرف أني هنا أصطدم بالذين يفضلون الأدب خاليا من شوائب السياسة. لكني لا أستطيع أن أترك هذا الكم الهائل من الآلام خلفي. كل ما أستطيع فعله هو أن أكون أكثر حرصا على ألا يطغى غرضي على جماليات الكتابة، على ألا أحوّل أعمالي لمناشير سياسية. غير ذلك ستظل إرتريا أمامي وخلفي كلما اقترفت فعل الكتابة. يلي ذلك حالة المتعة التي اكتشفتها وأنا أؤدي غرضي. الكتابة تصنع عالما موازيا نكون نحن أصحابه. أولسنا نتمنى دائما أن تطاوعنا الأشياء؟ أن تسير على هوانا؟ أن ترسو الأمنيات في شواطئنا؟ في الكتابة يحدث كل ذلك لنصبح نحن أسياد اللعبة.

يلاحظ القارئ حضور إرتريا وطن حجي جابر في الروايتين. ما الفرق بين أن يكتب الكاتب من خلال هويته و ظروفه الخاصة و بين الكتابة من هوية مختلفة تماما؟

برأيي أن الجميع ينطلق من هوية ما في الكتابة، أيا كانت تلك الهوية. قد تكون الوطن في حالتي، وقد تكون أمراً آخر في حالات الآخرين. نحن نكتب لنعالج عطبا أصاب أرواحنا بشكل أو بآخر. روحي معطوبة من جهة إرتريا، وحتى تبرأ تماما سأظل ألتفت لوجعي. أما إذا كنت تقصدين الفرق بين الكتابة عن مكاني وأمكنة الآخرين، فأنا لا أجيد الكتابة عن بعد، وأنا هنا أقصد بالبعد مدى إحساسي بالمكان. هناك من يتساوى لديه الاحساس بمكانه وأمكنة الآخرين، لذا يتقن الكتابة عنهما بذات المستوى، وأنا أغبطه على ذلك بالطبع.

من أين يستسقي حجي جابر افكاره للكتابة؟

 من كل شيء حولي. مؤخرا أصبحت مهجوسا بالناس، ملامحهم، طريقة حديثهم، كيف يغضبون أو يفرحون. كذلك ازداد اهتمامي بمتابعة الحيوانات، بالقراءة عنها والبحث عن خطوط التقائها بالبشر. أظن أني مع الوقت أنحو باتجاه التأمل أكثر، ودائما ما يعترضني سؤال كبير إن كان ما أراه أو أسمعه أو أشمه يصلح ليكون شيئا مكتوبا. لكني لا أنسى دائرتي الضيقة من الأصدقاء. حظيت برفقة رائعة تتقن الفرح والحزن وقبل ذلك كله سرد الحكايات.

ما مدى تأثير القارئ على الكاتب؟ وكيف يختلف هذا التأثير خلال مسيرة الكاتب؟

حضور القارئ معي طاغ. أدرك تماما أن هناك كتابة واحدة وقراءات شتى، لذا أمضي الكثير من الوقت في رصد وتتبع تلك القراءات، ليس بغرض الانصياع لاتجاهاتها مستقبلا، او الكتابة تحت تأثير سطوتها، وإنما لمواصلة ما بدأته، فكل قارئ يضيف وينير ويعمّق شيئا في كتابي. وبهذا يحقق فعل الكتابة أسمى مقاصده في محاولة الفهم. فهم أنفسنا والآخرين. بالطبع كان ذلك سيكون صعبا دون الوضع في الاعتبار الحالات المصاحبة للقراءة، سواء كانت توقعا مسبقا، أو منطلقا نفسيا أو أيدولوجيا وغيرها مما يتدخل في تقييم الواحد منا لأي عمل يقرأه. ما أود قوله إنني حريص على رأي القارئ وهو يرافقني بعد كتابة العمل وليس قبل ذلك. ولا أظن أن ذلك سيختلف مع تقدم الكاتب في مسيرته.

ماذا تقول لكاتب انتهى للتو من نصه الأول؟

أقول إنه لم ينته من نصه وإنما ابتدأه للتو، فمجرد أن يخرج الكتاب للعالم تبدأ عملية كتابته الحقيقية.
 
 - See more at: http://www.araa.com/article/75938#sthash.JjskJPev.dpuf
 
 

No comments:

Post a Comment